مشوار مع شربل بعيني

ـ1ـ
على بيادر الرؤيا يتفتّح ضوء السنابل
يرسم على شفاه الصباح أسطورة الخلق
ولأجيال لـم تولد بعد تتناقلها زقزقة الرياح
في جراح العزّ يتوالد العمالقة
وفي عبقها تتناسل ملاحم العباقرة
لهب الألوهة يرتشف فعل الإيمان
يتخمّر، وينمو، فتزدهي تباشير الخلاص
تطارد المجوس والصيارفة وتجّار الهيكل
من عرق الندامة يتحرّر خبز الإنسان
وعلى لوثة العار ينتفض مدّ الحضارة
حدّ السكين يحزّ الأعناق
وفي شلال الدم ينتهي القتلة
وتجدد الأسطورة فوق فوهة العدم
وإلى الشرف القومي تتسلّل الوشاية
أخطبوطاً حلزوني الصدى
يتثاءب، يتمطّى، ينتشر، يأكل بعضه بعضاً
وتتعالى مع العاصفة ألسنة النار
ـ2ـ
خلف القضبان الحديديّة تتكوّم مخلّفات القهر
يسرق منها الحقد عافية البهجة
وببقاياها تتسلّى أحناك الزمن الرديء
تتساقط مواسم الفرح في مأتـم الحرف
وتصير الرموز ترابيّة الوجع والتحدّي
تعجن رمادها والأنين يتخفّى في المحاجر
ترفض الدموع لأنها ترفض العار
ولأنها في ضمير البركان ترفض أن تغتسل بالدخان
وفيما تبحث عن الحياة يسبقها الموت في طريق الجلجلة
يتوهّج الحب في خندق الفداء، وتتميّز الأصالة
اقتلوا الجريمة قبل أن تتفننوا في قتل المجرمين
وقبل أن تنصبوا أعواد المشانق ارفعوا منائر التاريخ
اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم
أعطوني قلماً أعطكم جيلاً يعانق السماء
وفي الأبعاد المجنّحة يشيّد عمارة الحضارة
وأعطوني عصاً أجعل لكم الوطن سجناً
يضجّ بالبرابرة والمجانين
وأعطوني رصاصة تَصِر النعمة نقمةً تدمّر الإنسان
تقتل فيه القيم والمُثُل وأحلام الحريّة والحياة
ـ3ـ
على مزارب الخطيئة اكتبوا عنوانكم
وبأعقاب السجائر عمّروا ناطحات السحاب
فتكرج ضحكة القهر على شفاه التنين
أقلام الحريّة لا تكتب صكوك العبوديّة
والجوع النفسيّ لا تكفيه شرائح اللحم
لا تصلبوا عيونكم على تقاطع الرياح
لأن عربدة الجنون تلتهب منها الدروب
يتقزّز معها الصبر الأسطوري
وتنطفىء مشاعل الرجاء.
من يختلس فلس الأرملة إنما يأكل جسد اللـه
تهرب من شفتيه أحلام الحب والقيامة
ويترمّد الوعد الآتي من فرع الحياة
بعامل الثقة تصير أوراق الإزدرخت أجنحة نسور
تصفّق لها قباب الدنيا وقناطر التاريخ
تتحدّى الواصف، وتحضن الآفاق
فترقص تحتها أوتار الأرض
ويطرب فيها رباب السماء.
تذكّروا أن اللـه لا يطلب أوسمةً
إنه الوسام الحقّ
لا تقتلوا اللـه فيكم، أبقوه حيّاً
ولو لمجرّد الأمل.
ـ4ـ
تعالوا نتحسّس جراحنا والمسامير
وبعبق الدم نغزل أسطورة العزّ
نستشرف آلامنا والمدى والمصير
ونحبك بخيوط الضوء منديل العودة.
أيّتها الأرض المحروقة
يا أرض الأحزان والمآسي والدماء
يا موعد أحلامنا والأمل والرجاء
ليلك طويل رهيب وحادّ كحوافر العفاريت
بالحبّ والتضحيّة والانفتاح والفداء
سنزرع في ترابك البخور
ونحرّره من الويل والبؤس والشقاء
نغمر أمنياتك برموش العيون
وبالحنان نغسل تعاستك الخياليّة
أنت التي تدفعين ضريبة النار والحديد
عن مائة مليون
رذلهم التاريخ ورافقتهم لعنة الأجيال.
البيرق ـ العدد 18 ـ 28/11/1986
**