سيوف النّار

يوم محمد زهير الباشا ـ 1989
ـ1ـ
قبضُ الريحِ
وبعض غبار
ويتلاشى الصّوت
وإذا الصدى يلفّ أبعادَ الأرض
وذاكرة التاريخ في كلّ مطرح للشمس
لا تلوموا المضى
فالملامة لا تحرق أظافرَ الليل
ولا تضيء دروبَ المستقبل
الحضور الإنساني الكليّ القيم والمبادىء
يعتق من الخطيئة
ويحرّر الناس من الذلّ والعبوديّة
فتقوم مداميك الحضارة
ويشعّ التراث الوطني
لقد كان شربل دائـم الحضور
وله ديمومة الصدى
وفي ذلك الحضور وهذا الصدى
ارتفع صوت محمد زهير الباشا
في الملاّح الباحث عن إلـه
فإذا هذا اللقاء
وإذا الشعر سيوف نار
ـ2ـ
قيلَ لي مرحبا، فقلتُ تُرى
في مرحبا اليوم، ضاع الشعر والأدبُ
غَزلتُ للحبِّ أيّامي.. فذاكَ دمي
على صباحِ الهوى والحلمِ، ملتهبُ
يلامسُ الضّوءُ عينيها فتخنقُهُ
غريزةُ العتـمِ، والضوضاءُ، والشّغبُ
تعمّدت بالندى الفضيّ أغنية
لهيبُها الجرحُ، والرؤيا لها عصبُ
وزغردتْ في شريط الفجر، ضاحكةً
أصداؤها الريحُ، والبركانُ، والشّهبُ
يا زارعَ الوجعِ الوثنيّ في عدمي
هل يدركُ الحقدُ كيف الثأرُ والغضبُ؟
وكيف تنهضُ في الدنيا قصائدنا
وخلفها الريحُ، والأقمارُ، والسّحبُ؟
وفوقَها، لا يدٌ خطّتْ، ولا قلَـمٌ
ولا احتوتْها، على غليانِها، الكتُبُ
كأنّها في حدود الشمسِ طالعةٌ
وفي يديها، جمالُ الكونِ ينسكبُ
قلْ للمرايا على صفحاتها انكسرتْ
صورُ الزمانِ، ورثّ اللونُ والخشبُ
وما تبقّى سوى الإبداعِ، ريشتُهُ
من الجراح، بنار الشّعرِ، تختضبُ
هذي ملامحُنا، في الأرض مشرقةٌ
ما عزّها حَسَبٌ، أو غرّها لَقَبُ
تلملـمُ العالَـمَ الأزليَّ، تنسجُهُ
وهجاً يشعّ به الوجدانُ والهدُبُ
فلا تليقُ بغيرِ الشّعر مملكةٌ
ولا تطيبُ العلى، والمجدُ، والرّتَبُ
عفواً زهيرُ، فلا أبعادُنا اختنقتْ
ولا الشّواطىءُ تثنينا، ولا العُبُبُ
روّادُنا، في جفون الشمسِ طلّتُهمْ
عَنْ مطرَحِ النورِ، ما غابوا ولا تعبُوا
يغامرونَ.. سُعالِ الضّوءِ يعرفُهُمْ
إلاّ المعاناة، ما ذاقوا، وما كسَبُوا
سلِ "السّنابِلَ" عن دنيا "مراهقة
وعن "إلهٍ" على الشفتين يضطربُ
"وغربة"، طال فيها جوعها أبداً
إذا الضّميرُ، ضميرُ الشّعرِ يغترِبُ
"وللخزانة" في قبساتها دررٌ
يغارُ من ظلّها الياقوتُ والذّهبُ
"مشّي معي"، زمنُ الأوهام قافلةٌ
من اللصوصِ على أحلامنا انقلبوا
"ونقطة الزيت" في أوجاعنا اشتعلتْ
قل "للمجانين" نحن العقلُ فارتعبُوا
إنّي إخالك في الدنيا أخا سفرٍ
جناحُكَ النارُ، والطوفانُ يصطخبُ
وفي سطوعِك للأحرارِ ملحمةٌ
على مداها استوتْ أمجادُها الحِقَبُ
وفي جراحِكَ أضواءٌ مشرّعةٌ
هل يسمعُ الشّرقُ، أم هل يُبْصِرُ العرَبُ؟
غداً نعودُ إلى دنيا طفولتنا
فيرقُصُ الجدولُ الغافي وينتحبُ
ويسكرُ الدّربُ في خطواتنا جذَلاً
وبالورودِ يضجّ السّفحُ والهُضُبُ
ويُشْرِقُ الفِكْرُ، رغمَ السّيفِ، مبتهجاً
فيُولدُ الفرحُ الأبديُّ والطّربُ
كأنه في دروبِ الغيمِ مشتعلٌ
على الزمانِ، وتهوي تحته الحُجُبُ
وللصباحِ رفيفٌ في خواطرهِ
يمزّقُ الليلَ، في عمري، فينسحبُ
على رماح الفدى تغلي مشاعلُنا
وفي الأعالي سيوفُ النّار تنتصبُ
فتلتقي ذكرياتُ المجدِ في وطنٍ
أقوى من الموتِ.. ماتَ الموتُ فالتهببوا
**