شكراً.. ولك محبتي

.. ويصير قلبي، في جحيم الصمت
ينبض بالنّضارَه
وكأنّ، في حلقي
يعيش الفكر أسئلة النظارَه
وكأنّ أوردتي
من اللهب المرفرف في شرارَه
وكأنّ لحمي صار مأدبةً
وصار اللـه جارَه
فلمحت وجهَكَ، في صباح الوعد
تنزف من أصابعه الحجارَه
أنت تفتح نفسك نافذة على الشمس، وباباً على كلّ نفس. من هذه النافذة تشرف على الأرض، ومن الباب تملأ الدنيا، تشقّ لذاتك دروباً مضيئة على الكون، تعتمد، عبرها الوصول إلى الذات الإنسانيّة الكليّة الوجود، التي تكرّس المحبّة مذهباً فوق كل مذهب، وعقيدة تطغى على عقائد العالـم كلّها.
أدركت أنني، بحكم ظروف عملي، في حبس شبه دائـم، فكانت طلّتك صباح كلّ سبت جولة تتناول اهتمامات وهموم الفكر، ومحاولة للخروج بقضيّة الأدب من النفق الضيّق المظلم إلى بشارة الفجر، ليبلغ وجدان الإنسان ووعيه ورغبته في العطاء والإبداع.
ترسم في الخاطر صوراً تعبيريّة لوحشة الغربة ومأساتها، يغلب فيها الشعور بالانتصار على وجع الذاكرة، وتتكسّر معها أيدي الضجر والهذيان، وتختنق رياح الدهشة والانبهار. وأبداً على شفتيك وفي قلبك موضوع كفاح أسطوري وقصيدة يترجمها النضال بالتفاؤل والابتكار.
كم مرّة، من الطريق، صرخت: يا ختيار.. وفي قرارة نفسك تدرك أن الشمس تختير، وهذا الختيار يتجدّد شبابه كلّ يوم.
ثـمّ لا أذكر، منذ وقت طويل، أنني سمعتك تتأفّف، أو تتذمّر، أو تتشاءم، بل غالباً ما رأيتك تقابل الجحود والتجريح وتحامل الهوى والغرض، بنكران الذات حيناً، وبالانفتاح والتسامح والتسامي أحياناً، رغبة منك في تحاشي الخلاف، وفي شدّ أواصر الإلفة والتفاهم والاحترام في قيامة أدب حيّ واعد، فيكون العمل، جماعياً، أجدى وأرقى وأطيب ثـماراً.
كنت فقط تخاف على الذين ينتابهم شيء من الإحباط، أو يصيبهم اليأس، وتشفق على من يلازمهم شعور بالضعف أو بالصعلكة، فتفتح جناحيك، تطيّب خاطرهم، وتحوّل القلق إلى طمأنينة، والضعة إلى عملقة.
مفاجآتك، يا شربل، كانت أبداً ودائماً ملء القلب والعين، تبعث على الانشراح، وتستشرف في النفس طابعاً من الصدق والأمانة والوفاء، يتفوّق على كلّ ما يطبع الإنسان أو يحيط به من ضبابيّة وظلال. تندمج كليّاً بما تؤمن، وبما تأمل، وبما تطمح إليه، فيلازمك اهتمام بآلية التنفيذ لتصير ترجمة الحلم على أنقى وأكمل وجه. وكأني بك، وأنت تصطدم بالمشكلات والعقبات والتحديّات، تكرّس غليان النفس لما هو أفضل وأكمل وأبقى في خدمة المجتمع.
أما أن تأخذ قصيدة (بحيرة الضوء)، "لتصوّرها وتحتفظ بنسخة منها بخطّ يدي"، وتعود بها إليّ بعد أسبوع، منشورة على نفقتك الخاصّة في كتيّب أنيق الطباعة، بديع الإخراج، فهذا منتهى المفاجآت.
كنت أفهمك خبيراً في التصوّر والتصوير، سريعاً في التخيّل، بديهي الخيال، قابلاً للإيحاء، غزيراً بإمكاناته، ووافراً في الإنتاج. فإذا بي أجدك تفكّر ناراً، وتكتب ناراً، وتخرج ناراً في مجال خدمة الأدب، ليبقى وهجه مستمراً في أجيالنا الحاضرة، وفي الأجيال التي لـم تولد بعد، تقدح لها من عقلك، ومن شرايينك، لهباً دائـم الحياة. شكراً.. ولك محبّتي.
البيرق ـ العدد 283 ـ 18 كانون الأول 1990
**