أم أنطوان

والدة الصديق الشاعر شربل بعيني
(حضورها في إشراقة الوجدان أقوى من غدر الزمان)

حَمَلَتْ حُلْمَها، منَ الشّرقِ جاءَتْ
كفُّها الأَرْضُ والْعُيُونُ السَّمَاءُ
وَعلى الغَرْبِ رَعْشَةٌ مِنْ إِباءٍ
تَتَماهَى فِي دَرْبِهِ الْكِبْرِياءُ
وَمَشَى صَوْتُها على الغَيْمِ دِفْئاً
يَتَمَشَّى فِي جانِحَيْهِ الضِّياءُ
فإِذَا القلبُ كوكَبٌ واسْتفاقَتْ
في يَدَيْهِ الْحِجارَةُ الصَّمَّاءُ
تَعِبَتْ دُونَها السّماءُ، ولمّا
أعَيَتِ الأرض، فالخُلودُ البَهاءُ
مثْلَما تَرْحَلُ الملائِكُ طارَتْ
واستَقَرَّتْ حَيْثُ اسْتَقَرَّ الرَّجاءُ
ليسَ في الموتِ ما يَطَالُ وجُوداً
مُطْلَقَ الْبُعْدِ، إِنْ قَضَى الأنبياءُ
شَرَفُ الموتِ أَنَّهُ ليسَ فِينَا
ذِكْرَيَاتٍ أَتَى عَلَيْها الْفَناءُ
فَتَرَكناهُ صاغراً حيثُ شِئْنَا،
والَّذي لا نَكونُهُ لا نَشَاءُ
سَكْتَةُ الْقَلْبِ أَمْ سُكُوتُ زَمانٍ
أَفْرَغَتْهُ مِنْ وَهْجِها الأَشْيَاءُ
صارَ في مِثْلِها السَّماواتُ تَحْكي
كبرياءً، حتّى يَطيبَ الْعَزَاءُ
هِيَ أَسْمَى مِنَ الزَّمانِ، ونحنُ
غُرَباءٌ، أَيَّامُنا غُرَباءُ
كَفْكِفوا الدَّمعَ فالجِراحُ أَضاءتْ
تَمْسَحُ الْحُزنَ كَيْ يَرَى الأَحْيَاءُ
هِيَ أُمُّ الْجَمِيعِ في كُلِّ قَلْبٍ
مِنْ سنَى الطِّيبِ شُعْلَةٌ خَضْراءُ
إنْ نَشَدْنا لِكُلِّ إِسْمٍ مقاماً
تَتَفَيَّا فِي ظِلِّها الأَسْماءُ
قَطَفَتْها مِنْ كُلِّ نَجْمٍ شُعاعاً
بارَكَتْهُ القِدِّيسَةُ الْعَذْراءُ
وستَبْقى جُفُونُنا عالِقاتٍ
حَيْثُ حَطَّتْ، وحيثُ مَرَّ الْهَواءُ
لَها في كلِّ خاطِرٍ مُسْتَنيرٍ
صُورَةُ الْحُبِّ، والإطارُ الْوَفاءُ
هذِهِ أُمُّنا، ولَوْ أَنَّ فينا
بَعْضَ ذِكْرَى، وجُوهُنا الأَبْناءُ
جريدة الشرق ـ العدد 14، 14 تموز 1999
**